وصف المؤرخون القاسم بأنه كالقمر في جمال طلعته وبهائه، وقد غذاه عمه بمواهبه وأفرغ عليه أشعة من روحه، حتى صار من أمثلة الكمال والآداب.
وكان القاسم وبقية اخوانه يتطلعون إلى محنة عمهم، ويودون أن يردوا عنه عوادي الأعداء بدمائهم وأرواحهم، وكان القاسم يقول: «لا يقتل عمي وأنا حي».
فانبرى القاسم يوم العاشر يطلب الإذن من عمه ليجاهد بين يديه، فاعتنقه الإمام وعيناه تفيضان دموعا، وأبى أن يأذن له، إلا أن الفتى ألح عليه، وأخذ يقبل يديه ورجليه ليسمح له بالجهاد، فأذن له.
وانطلق رائد الفتوة الإسلامية إلى ساحة الحرب، ولم يضف على جسده الشريف لامة حرب، محتقراً أولئك الوحوش، وقد التحم معهم يحصد رؤوسهم ويجندل أبطالهم، كأن المنايا كانت طوع إرادته، وبينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله الذي هو أشرف من ذلك الجيش، وأنف سليل النبوة والإمامة أن تكون إحدى رجليه بلا نعل، فوقف يشده متحدياً لهم، واغتنم هذه الفرصة رجل من الأعداء ـ وهو عمرو بن سعد الأزدي ـ، فقال: والله لأشدن عليه، فأنكر عليه ذلك حميد بن مسلم، وقال له: سبحان الله! وما تريد بذلك، يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم.
فلم يعن الخبيث به، وشد عليه فضربه بالسيف على راسه الشريف، فهوى إلى الأرض كما تهوي النجوم صريعاً يتخبط بدمه القاني، ونادى بأعلى صوته: «يا عماه أدركني».
وسارع الحسين نحو ابن أخيه، فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف، وانعطف الإمام نحو ابن أخيه، فجعل يوسعه تقبيلا والفتى يفحص بيديه ورجليه كالطير المذبوح، وجعل الإمام يخاطبه بذوب روحه:
«بعداً لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك. عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك صوت، والله هذا يوم كثر واتره، وقل ناصره...».