تعرف تسامح ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه:
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159]
وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فإن المرء في هذه الحياة الدنيا (دار الابتلاء) مهما حاول الاعتدال في تعامله مع الناس، والسلامة من أذاهم، القولي والفعلي، فلن يَسْتَتِبَّ له الأمر؛ لاختلاف معادنهم، كما
قال صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ مَعَادِنَ، كَمَعَادِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ…»[رواه مسلم عن أبي هريرة]، فلربما وجد جفوة من صديق، أو حِدَّة في القول من جارٍ.
ولو سَلِمَ من ذلك أحدٌ، لَسَلِمَ منه أصدق الناس، وأعدلهم، وأكثرهم حلماً، وعطفاً، وشفقةً بهم، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لاقى منهم الأذى، والطرد، والرجم، حتى
سال الدم من قدميه الشـريفتين صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يأتيه مَلَك الجبال، فيقول له: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فيردُّ عليه من قال
الله فيه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قائلاً:«بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْـرِكُ بِهِ شَيْئًا»[متفق عليه، عن عائشة].
وما ذاك إلَّا امتثالاً لقول الله عزَّ وجلَّ:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
وما قصة ذلكم الأعرابي منكم ببعيد، الذي لم يقتصـر تعدِّيه على النبي صلى الله عليه وسلم، بالقول فحسب، بل سبقه بالفعل، فجذبه بردائه جذبة شديدة، بَانَ أثرها على صفحة
عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فيضحك له، ثم يأمر له بعطاء[متفق عليه، عن أنس]
.
ولم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم، لنفسه قطّ، بل كان غضبه لله، وهو أشرف البشر صلى الله عليه وسلم.
وليس إلى السلامة باب، إلا أن نتخلَّق بهذه الصفات العظيمة التي تنجو بصاحبها إلى شاطئ الأمن والأمان، لاسيما أن الله امتدح أصحابها بقـولــه: ـ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
ولقد حضَّ الإسلام على الإصلاح بين المتخاصمين، وأجاز الكذب في ذلك؛ لما يترتب على ذلك من مصالح عامَّة، تُذهب الحقد والبغضاء، والعداوة والشحناء، وسفك الدماء،
ويحلُّ مكانها الحبُّ والوئام، والسلامة والأمان، ويكون ذلك بالعفو، والتسامح، وكظم الغيظ، فيحصل الخير الكثير، والابتعاد عن الشـر المستطير؛
«فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَينِ هِيَ الحَالِقَةُ».
ولذا: جمعتُ هذا البحث المتواضع، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسميته:
«فضل التسامح والعفو والصفح وكظم الغيظ»؛
ليكون لك أخي القارئ عوناً بعد الله في التحلِّي بتلك الأخلاق العالية.
فالله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يرزقني وإخواني العلم النافع، والعمل الصالح.
كما أسأله تعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشـر، إن ربي لسميع الدعاء.
"ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "
{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا في المسجد عند رسول الله
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة))،
قال: فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على النبي وجلس،
قال: ولما كان اليوم الثاني قال: ((يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة))،
قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من وضوئه، مُعلقاً نعليه في يده فجلس، ثم في اليوم الثالث،
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : فقلت في نفسي: والله لأختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفّق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيامٍ ثلاثة،
فأتى إليه عبد الله بن عمرو فقال: يا عم، إني لاحيت أبي – أي خاصمت أبي – فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك، آليت على نفسي أن لا أبيت عنده، فإن أذنت لي أن أبيت عندك تلك الليالي فافعل،
قال: لا بأس، قال عبد الله: فبت عنده ثلاث ليال، والله ما رأيت كثير صلاةٍ ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله، فإذا أذن الصبح قام فصلى، فلما مضت الأيام الثلاثة
قلت: يا عم، والله ما بيني وبين أبي من خصومة، ولكن رسول الله ذكرك في أيامٍ ثلاثة أنك من أهل الجنة، فما رأيت مزيد عمل!!
قال: هو يا ابن أخي ما رأيت،
قال: فلما انصرفت دعاني فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداً من المسلمين على خير ساقه الله إليه،
قال له عبد الله بن عمرو: تلك التي بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنها "
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه:
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159]
وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فإن المرء في هذه الحياة الدنيا (دار الابتلاء) مهما حاول الاعتدال في تعامله مع الناس، والسلامة من أذاهم، القولي والفعلي، فلن يَسْتَتِبَّ له الأمر؛ لاختلاف معادنهم، كما
قال صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ مَعَادِنَ، كَمَعَادِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ…»[رواه مسلم عن أبي هريرة]، فلربما وجد جفوة من صديق، أو حِدَّة في القول من جارٍ.
ولو سَلِمَ من ذلك أحدٌ، لَسَلِمَ منه أصدق الناس، وأعدلهم، وأكثرهم حلماً، وعطفاً، وشفقةً بهم، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لاقى منهم الأذى، والطرد، والرجم، حتى
سال الدم من قدميه الشـريفتين صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يأتيه مَلَك الجبال، فيقول له: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فيردُّ عليه من قال
الله فيه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قائلاً:«بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْـرِكُ بِهِ شَيْئًا»[متفق عليه، عن عائشة].
وما ذاك إلَّا امتثالاً لقول الله عزَّ وجلَّ:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
وما قصة ذلكم الأعرابي منكم ببعيد، الذي لم يقتصـر تعدِّيه على النبي صلى الله عليه وسلم، بالقول فحسب، بل سبقه بالفعل، فجذبه بردائه جذبة شديدة، بَانَ أثرها على صفحة
عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فيضحك له، ثم يأمر له بعطاء[متفق عليه، عن أنس]
.
ولم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم، لنفسه قطّ، بل كان غضبه لله، وهو أشرف البشر صلى الله عليه وسلم.
وليس إلى السلامة باب، إلا أن نتخلَّق بهذه الصفات العظيمة التي تنجو بصاحبها إلى شاطئ الأمن والأمان، لاسيما أن الله امتدح أصحابها بقـولــه: ـ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
ولقد حضَّ الإسلام على الإصلاح بين المتخاصمين، وأجاز الكذب في ذلك؛ لما يترتب على ذلك من مصالح عامَّة، تُذهب الحقد والبغضاء، والعداوة والشحناء، وسفك الدماء،
ويحلُّ مكانها الحبُّ والوئام، والسلامة والأمان، ويكون ذلك بالعفو، والتسامح، وكظم الغيظ، فيحصل الخير الكثير، والابتعاد عن الشـر المستطير؛
«فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَينِ هِيَ الحَالِقَةُ».
ولذا: جمعتُ هذا البحث المتواضع، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسميته:
«فضل التسامح والعفو والصفح وكظم الغيظ»؛
ليكون لك أخي القارئ عوناً بعد الله في التحلِّي بتلك الأخلاق العالية.
فالله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يرزقني وإخواني العلم النافع، والعمل الصالح.
كما أسأله تعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشـر، إن ربي لسميع الدعاء.
"ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "
{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا في المسجد عند رسول الله
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة))،
قال: فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على النبي وجلس،
قال: ولما كان اليوم الثاني قال: ((يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة))،
قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من وضوئه، مُعلقاً نعليه في يده فجلس، ثم في اليوم الثالث،
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : فقلت في نفسي: والله لأختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفّق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيامٍ ثلاثة،
فأتى إليه عبد الله بن عمرو فقال: يا عم، إني لاحيت أبي – أي خاصمت أبي – فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك، آليت على نفسي أن لا أبيت عنده، فإن أذنت لي أن أبيت عندك تلك الليالي فافعل،
قال: لا بأس، قال عبد الله: فبت عنده ثلاث ليال، والله ما رأيت كثير صلاةٍ ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله، فإذا أذن الصبح قام فصلى، فلما مضت الأيام الثلاثة
قلت: يا عم، والله ما بيني وبين أبي من خصومة، ولكن رسول الله ذكرك في أيامٍ ثلاثة أنك من أهل الجنة، فما رأيت مزيد عمل!!
قال: هو يا ابن أخي ما رأيت،
قال: فلما انصرفت دعاني فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداً من المسلمين على خير ساقه الله إليه،
قال له عبد الله بن عمرو: تلك التي بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنها "